البحر الميت هو بحيرة ملحية مغلقة تقع في أخدود وادي الأردن ضمن الشق السوري الأفريقي، على خط الحدود الفاصل بين الأردن وفلسطين التاريخية (الضفة الغربيةوإسرائيل). يشتهر البحر الميت بكونه أخفض نقطة على سطح الكرة الأرضية، حيث بلغ منسوب شاطئه حوالي 400 متر تحت مستوى سطح البحر حسب سجلات عام 2013.[1][2]
يصل عرض البحر الميت في أقصى حد إلى 17 كم، بينما يبلغ طوله حوالي 70 كم. وقد بلغت مساحته في عام 2010 حوالي 650 كم2 إذ تقلصت خلال الأربع عقود الماضية بما يزيد عن 35%. كما يتميز البحر الميت بشدة ملوحته، إذ تبلغ نسبة الأملاح فيه 34.2%، وهو ما يمثل تسعة أضعاف تركيز الأملاح في البحر المتوسط. وقد نتجت هذه الأملاح كون البحيرة هي وجهة نهائية للمياه التي تصب فيه، حيث أنه لا يوجد أي مخرج لها بعده، كما يلعب المناخ الصحراوي للمنطقة الذي يمتاز بشدة الحرارة والجفاف ومعدلات التبخر العالية دورًا كبيرًا في هذا الأمر.[3]
عانى منسوب البحر الميت مؤخرًا من التراجع المستمر، حيث يرجع هذا الأمر إلى عدد من الأسباب الرئيسية، كالاستخدام المكثف لمصادر المياه، وأهمها نهر الأردن، وضخ المياه في الحوض الجنوبي، حيث يتكون حوض البحر الميت حاليًا من حوضين؛ شمالي وجنوبي.[4] ونتيجة للإنخفاض المستمر لهذا المستوى، تعرض الجزء الجنوبي من البحيرة للجفاف، حيث أن الجزء الجنوبي أقل عمقًا من نظيره الشمالي، ويصل ارتفاع منسوب شاطئه إلى 401 متر تحت مستوى سطح البحر. ومع تجفيف الجزء الجنوبي، تم إنشاء برك لتبخير المياه وإنتاج البوتاس والمواد الكيماوية الأخرى عبر مصانع البوتاس الإسرائيلية، وشركة البوتاس العربية في الأردن. وتحتاج تلك البرك إلى ضخ كبير من مياه البحر، مما أثر تأثيرًا كبيرًا على مستوى سطح البحر.[5]
لقد بلغ المعدل السنوي لانخفاض مستوى سطح البحر خلال العقد المنصرم بمقدار يعادل الفقدان لمدة سنة كاملة، حيث أصبح المستوى ينخفض حوالي متر كل عام. ولقد زاد هذا المعدل في عام 2012 بشكل واضح، ليبلغ إنخفاض مستوى البحر 1.40 متر. وقد أدى الانخفاض التراكمي في مستوى المياه إلى تغيرات كبيرة أيضا في البحر الأبيض المتوسط بما في ذلك تغيرات لا يمكن الرجوع عنها في الجزء الشمالي، من خلق للمجاري، والانسحاب من الشواطئ، والأضرار التي لحقت بالبنية التحتية (الطرق والجسور) والمحميات الطبيعية.[6]
يُعد البحر الميت مهم جدًا للصناعة والسياحة في المنطقة، حيث تُعتبر تركيبة مياهه مختلفة عن المياه الطبيعية، باحتواءها على تركيز عالي من الكالسيوم والبوتاسيوم. ويُستغل هذا في مصانع الجانبين الأردني والإسرائيلي. وترجع الأهمية التاريخية والسياحية لمنطقة حوض البحر الميت إلى البحر نفسه وإلى شواطئه، حيث توجد بعض المعالم الأثرية والدينية الهامة في المنطقة مثل مسعدة، خربة قمران، وكهف النبي لوط، بالإضافة إلى التشكيلات الملحية الطبيعية فيه، والمناخ السائد، كلها جعلت من البحر الميت نقطة جذب سياحية عالمية، وخصوصًا فيما يتعلق بالسياحة العلاجية.[7] وتحوي المنطقة على الآف الغرف الفندقية، حيث تتركز في الجزء الشمالي الشرقي في الأردن، بالإضافة إلى الجزء الغربي المطل على الحوض الجنوبي.[8] وقد رُشح ليكون أحد عجائب الدنيا السبع الطبيعية في نطاق البحيرات.[9]
التسمية
أُطلق على البحر الميت تاريخيّا عدة أسماء قديمة في العهد القديم مثل: "بحر الملح" و "بحر العربة" و "البحر الشرقي" و "عمق السديم". وفي عهد عيسى المسيح عُرف بـ "بحر الموت"، و "بحر سدوم" نسبة إلى منطقة سدوم المجاورة، كما دُعي "البحيرة المنتنة" لأن مياهه وشواطئه لها رائحة منتنة. كما دُعي "بحيرة زغر" نسبة إلى بلدة زُغر التني كانت تقع على شاطئه الجنوبي الشرقي، واُطلق عليه اسم "بحر الزفت" نسبةً إلى قطع الزفت التي كانت تطفو على سطحه في بعض الأحيان وخاصة عند حدوث الزلازل. وقد كان بعض سكان المنطقة يتاجرون في قطع الزفت التي يستخرجونها ويبيعونها. كما ذكره المقدسي في كتابه "أحسن التقاسيم في معرفة الأقاليم" باسم "البحيرة المقلوبة".[10] وقد سُمي أيضًا "بحيرة لوط" نسبةً إلى النبي لوطالذي سكن وقومه بالقرب منه قبل أن يحل بهم العذاب. أما الإغريق فكانوا أول من أطلق عليه إسم "البحر الميت" لعدم وجود حياة فيه.[11]
وحسب نظرية عالم الإراضة البروفيسور ليو بيكارد كان في الماضي جزءا من بحيرة واسعة حلوة المياه امتدت على منطقة غور الأردن ومرج بن عامر وصبت في البحر الأبيض المتوسط. وحسب هذه النظرية أسفرت التغييرات في علوّ الأرض قبل مليوني عام تقريبا إلى انقطاع الوصلة بين تلك البحيرة والبحر الأبيض المتوسط، وإلى تضيق البحيرة إلى بحيرة طبريا، نهر الأردن والبحر الميت. فأدى حصر مياه البحر الميت، وتبخر الماء إلى زيادة نسبة الأملاح فيه.[12]
الجغرافيا
يحد البحر الميت من الشرق جبال محافظة مادبا و محافظة الكرك في الأردن، ومن الغرب الضفة الغربية وجبال الخليل في فلسطين. أما شمالاً فيحده منخفض البحر الميت ومصب نهر الأردن، ومن الجنوب جرف خنزيرة، الذي يُعتبر بداية وادي عربة. يُعتبر خط التقسيم فيه حدًا فاصلاً بين الأردن وفلسطين تماشيًا مع نهر الأردن في الشمال، ووادي عربة في الجنوب. يقع بين دائرتيّ عرض 31.03 و 31.43 شمالاً، وبين خطيّ طول 35.21 و 35.35 شرقًا.[13] تبلغ مساحته الأصلية حوالي 1000 كم2، إلا أنها تقلصت خلال الأربع عقود الماضية إلى حوالي 650 كم2. ويبلغ أقصى عرض له 17.5 كم، وأضيق نقطة تقع عند مضيق اللسان بعرض 2 كم، أما أعمق نقطة فيه فتقع على بعد 5 كم جنوب غرب مصب وادي زرقاء ماعين، ويبلغ عمقها 399 م، بينما ينخفض سطحه بحوالي 395 عن سطح البحر المتوسط.[13]
وتحف الشواطئ الشرقية والغربية للبحر الميت منحدرات عمودية على شكل أبراج صدعية والتي تشكل جزءاً من الشق السوري الأفريقي. إن منحدرات الوادي تتجه إلى أعلى برقة إلى ناحية الشمال في اتجاه نهر الأردن وإلى ناحية الجنوب في اتجاه وادي عربة. ومن الناحية التاريخية فأن البحر الميت يتكون من حوضان: الحوض الرئيسي الشمالي والذي يبلغ عمقه 320 مترًا (في عام 1997) والحوض الجنوبي الضحل والذي منه تراجع البحر الميت منذ عام 1978. والحوضين منقسمان عن طريق شبه جزيرة لسان ومضايق الموت التي لديها تل من الطمي.[14]
المناخ
يتمتع البحر الميت بسماء مشمسة على مدار السنة، بالإضافة إلى الهواء الجاف. وتتساقط الأمطار على المنطقة بشكل قليل جداً بأقل من 50 ملم (2 بوصة) بينما يبلغ متوسط درجة الحرارة في الصيف بين 32 و 39 درجة مئوية. وتتراوح درجات الحرارة في فصل الشتاء المتوسط بين 20 و 23 درجة مئوية. كما تعتبر نسبة الرطوبة منخفضة حيث توازي 35% في معدلها. أما الإشعاعات الشمسية، فلقد دلت الدراسات على وجود طبقة غنية بالأوزون فوق سطح البحر تصل إلى ارتفاع 25 كيلومتراً، ويقوم الأوزون بالإضافة إلى بخار الماء فوق البحر بعملية ترشيح وفلترة للأشعة الفوق بنفسجية.[15]
ويُعد تركيز الأكسجين في هواء منطقة البحر الميت الأعلى في العالم، بصفته المنطقة الأكثر انخفاضًا. وتصل نسبة الأكسجين فيه إلى 36%، علمًا بأن النسبة العالمية تصل إلى 26%. أما بالنسبة إلى الضغوط الجوي في منطقة البحر الميت ، فيترواح بين 796 و 799 ملم زئبقي، وبهذا يُعتبر الأعلى في العالم.[16][17][18][19][20]
▼البيانات المناخية لمنطقة البحر الميت | |||||||||||||
---|---|---|---|---|---|---|---|---|---|---|---|---|---|
شهر | يناير | فبراير | مارس | أبريل | مايو | يونيو | يوليو | أغسطس | سبتمبر | أكتوبر | نوفمبر | ديسمبر | المعدل السنوي |
الدرجة القصوى °م (°ف) | 26.4 (79.5) | 30.4 (86.7) | 33.8 (92.8) | 42.5 (108.5) | 45.0 (113) | 46.4 (115.5) | 47.0 (116.6) | 44.5 (112.1) | 43.6 (110.5) | 40.0 (104) | 35.0 (95) | 28.5 (83.3) | 47.0 (116.6) |
متوسط درجة الحرارة الكبرى °م (°ف) | 20.5 (68.9) | 21.7 (71.1) | 24.8 (76.6) | 29.9 (85.8) | 34.1 (93.4) | 37.6 (99.7) | 39.7 (103.5) | 39.0 (102.2) | 36.5 (97.7) | 32.4 (90.3) | 26.9 (80.4) | 21.7 (71.1) | 30.4 (86.7) |
متوسط درجة الحرارة الصغرى °م (°ف) | 12.7 (54.9) | 13.7 (56.7) | 16.7 (62.1) | 20.9 (69.6) | 24.7 (76.5) | 27.6 (81.7) | 29.6 (85.3) | 29.9 (85.8) | 28.3 (82.9) | 24.7 (76.5) | 19.3 (66.7) | 14.1 (57.4) | 21.9 (71.4) |
أدنى درجة حرارة °م (°ف) | 5.4 (41.7) | 6.0 (42.8) | 8.0 (46.4) | 11.5 (52.7) | 19.0 (66.2) | 23.0 (73.4) | 26.0 (78.8) | 26.8 (80.2) | 24.2 (75.6) | 17.0 (62.6) | 9.8 (49.6) | 6.0 (42.8) | 5.4 (41.7) |
الهطول مم (إنش) | 7.8 (0.307) | 9.0 (0.354) | 7.6 (0.299) | 4.3 (0.169) | 0.2 (0.008) | 0.0 (0) | 0.0 (0) | 0.0 (0) | 0.0 (0) | 1.2 (0.047) | 3.5 (0.138) | 8.3 (0.327) | 41.9 (1.65) |
% مؤشر الرطوبة | 41 | 38 | 33 | 27 | 24 | 23 | 24 | 27 | 31 | 33 | 36 | 41 | 31.5 |
متوسط أيام الهطول | 3.3 | 3.5 | 2.5 | 1.3 | 0.2 | 0.0 | 0.0 | 0.0 | 0.0 | 0.4 | 1.6 | 2.8 | 15.6 |
المصدر: خدمة الأرصاد الجوية[21] |
الجيولوجيا
يشكل وادي الأردن جزءاً من الأخدود العظيم (حفرة الانهدام التاريخية) والذي يمتد من تركيا إلى شرق أفريقيا. وقد تشكل نتيجة تغيرات جيولوجية شهدتها القشرة الأرضية منذ ملايين السنين، وقد تشكل في قلبها البحر الميت الذي كان يمتد في الأصل على طول 360 كلم منالعقبة جنوبًا إلى بحيرة طبريا شمالاً. يعتبر وادي الأردن بأرضه الخصبة ومناخه الدافئ، والبحر الميت بمياهه العلاجية، مركز جذب سكاني عبر التاريخ، فقد شهد هذا الوادي العديد من الأقوام والحضارات التي تعود إلى عصور قديمة جدًا. وقد تم الكشف عن أكثر من 200 موقع أثري حتى اليوم، ومعظم هذه المواقع المحيطة بمنطقة البحر الميت تتصل اتصالاً وثيقًا بأحداث ذُكرت في الكتاب المقدس، ومن أهمها كهف النبي لوط.[7]
وقد أجرى بعض الباحثين الإسرائيليين مسحًا جيولوجيًا لقاع البحر الميت عام 1967، وقالوا: "يبدوا أن قاع البحر الميت الحالي مكون من صخور تكوين أصدم الملحي الذي يقع تحت الحوض الجنوبي للبحر الميت". بمعنى أن هذه الكتلة كانت تحت قرى النبي لوط، وأن تكوين هذه البقعة المنخفضة كما ورد مشابه لتكوين أصدم، بينما المحيط الموجود فيه هو من تكوينات جيولوجية مختلفة عنها، هذا بالإضافة إلى وجود صدوع مستعرضة حول هذه البقعة تؤكد أنها لم تكن أساسًا ضمن التكوين الصخري الموجود فيه، وإنما جاءته من منطقة أخرى، وهذا يؤيد حدوث مثل هذا الانزلاق لهذه الكتلة الصخرية. كما يؤيد صحة هذا الدليل صورة الأقمار الصناعية لقاع البحر الميت، والتي يظهر فيها ست نقاط يُعتقد أنها تجمعات سكانية تمثل قرى النبي لوط، وصورة غواصة بريطانية لنفس المنطقة عام 1957 يظهر فيها أيضًا آثار مساكن وقرى مطموة بالملح.[13]
التشكل
يُعتبر البحر الميت ظاهرة طبيعية ناردة الوجود في العالم، فهو عبارة عن بحيرة مغلقة لا تتصل بالبحار الخارجية المجاورة (البحر المتوسط و البحر الأحمر). كما يقع في منطقة كانت جزءاً من الموطن الأصلي للإنسان الأول، ومهبطًا للديانات السماوية الرئيسية، ومكانًا لنشوء الحضارات القديمة، ومعبرًا للحركات التجارية والغزوات العسكرية عبر العصور التاريخية المتتابعة.[22]
يعود بداية التشكل الجيولوجي للبحر الميت إلى أواخر العصر الثلاثي، أي قبل حوالي 3 - 7 مليون سنة.[24] فقد تكون على أنقاض البحيرات القديمة التي شغلت الانهدام الأردني حيث يقول علماء الجيولوجيا: أن "بحر تيش" أو Tythas الذي يشغل البحر المتوسط جزءاً من مكانه، كان يغطي أغلب أراضي المنطقة العربية، وبعد انحساره وتراجعه ووصوله إلى الشكل الحالي للبحر المتوسط، بقيت منطقة الغور ممتلئة بالمياه مكونة بحيرة أصدم القديمة التي كانت تتصل بالبحر المتوسط بواسطة مرج بن عامر ثم غور الأردن الأوسط حتى عصر الميوسين.[25] وبعد عصر الميوسين، انقطع اتصال البحيرة الأردنية القديمة (بحيرة ما بعد أصدم) بالبحر المتوسط. وأخذت تنحصر شيئاً فشيئاً نتيجة لارتفاع مستوى التبخر في المنطقة بسبب درجات الحرارة المرتفعة. ويعتقد العلماء يأن البحيرة تعرضت لعملية هبوط ثانية بسبب الضغط الكبير الواقع عليها، بسبب تركز الأملاح في قاعها حتى تكوّن البحر الميت بشكله الحالي والذي يعتبره علماء الجيولوجيا حالة دراسية نادرة الوجود، حيث يقع أطول فالق إزاحي قاري في العالم يصل امتداده إلى أكثر من 1000 كم مصحوب بإزاحة جانبية تبلغ حوالي 105 كم. وقد لفت انهدام البحر الميت بتشكيله الجيولوجي ونشاطه التكتوني انتباه الكثير من العلماء في شتى مجالات علوم الأرض.[26][27][28][29][30]
تتميز مياه البحر الميت بشدة ملوحتها التي تصل إلى 340 غم/ لتر في أعماقه، وهي نسبة كبيرة جدًا، ّإذ تبلغ الملوحة فيه عشرة أضعاف ملوحة البحار والمحيطات. ويختزن البحر الميت في باطنه ثروة هائلة لمجموعة كبيرة من الأملاح قد لا تنضب بسبب ضخامة حجمها ودخولها في الصناعات الحديثة.[13] اختلفت الآراء حول أصل تكون هذه الأملاح، وفيما يلي استعراض لثلاث نظريات تفسر كيفية تكونها:[24]
- نظرية ترسيب الأملاح البحرية: وتقول أن هذه الأملاح جاءت من مصدرين هما الترسيب المائي، والترسيب الجوي.[24]
- نظرية تجمع الأملاح التحتية: وتقول أن الأملاح تكونت من مياه نهر الأردن والأودية والينابيع الجانبية التي ترفد البحر الميت مباشرة، فهي تحتوي على كميات هائلة من الأملاح مشابهة لأملاح البحر الميت.[24]
- نظرية الأمطار البركانية: وتقول أن جزءاً من أملاح البحر الميت تكون نتيجة العذاب الذي حل بقوم لوط.[24]
التركيب الكيمائي
تُقدر كمية التبخر في مياه البحر الميت بحوالي 1600 ملم في العام. وبحسب الفحوصات التي أُجريت على مياهه فإن عملية التبخر والتغيرات الكيمائية تحدث خلال الأربعين مترٍ العليا، وما دونها فهو ثابت لا يتغير. إذاً تختلف كمية ونوعية الأملاح حسب العمق. وتبلغ الأملاح المذابة 44 مليار و 957 مليون طن. ومن هذه الكمية تُقدر المواد التالية بملايين الأطنان:كلوريد المغنيسيوم حوالي 23 ألف مليون طن، ملح الطعام حوالي 12 ألف مليون طن، كلوريد الكالسيوم حوالي 6 الآف طن، كلوريد البوتاسيوم حوالي ألفان مليون طن، بروميد المغنسيوم حوالي 975 مليون طن، كبريتات الكالسيوم حوالي 105 مليون طن، بيكربونات الكالسيوم حوالي 46 مليون طن، وكلوريد الروبيديوم حوالي 12 مليون طن.[31]
ومن الجدير بالذكر، أن هناك مصادر أخرى عملت على زيادرة نسبة الأملاح في البحر الميت كالينابيع الساخنة والمعدنية مثل: ينابيع الزهار الكبريتية، وحمامات زرقاء ماعين، إذ أن التحاليل التي اُجريت على مياه هذه المصادر دلت على نفس التركيب الكيماوي لمياه البحر الميت، حتى أن التحاليل الكيميائية التي أُجريت لمياه منجم بترول أسدم أظهرت علاقتها بمياه البحر الميت.[31]
إن قوة تركيز أملاح البحر الميت التي ينفرد بها عن كل بحار العالم الداخلية هي عجيبة في حد ذاتها. ولا يقف الأمر عند هذا الحد، بل أن التركيب الكيماوي لمياه هذا البحر يختلف أيضًا عن غيره من بحار العالم الداخلية الأخرى، فهو يتكون في معظمه من أملاح الكبريتات والكربونات. والغريب في الأمر أيضًا، أن أملاح الكالسيوم تكاد تكون معدومة، إذ أن ذلك لا يحدث لأي بحر داخلي مثل البحر الميت. والأغرب من ذلك كله وجود كمية البروم العالية التي تبلغ 5920 ملغم لكل لتر والتي لا يوجد مثلها في أي بحر معروف، حيث أن كمية البروم في المحيطات تبلغ 290 ملغم/ لتر وفي البحار المالحة 1000 ملغم/ لتر.[31][32]
الروافد المغذية
يغذّي البحر الميت بالإضافة إلى نهر الأردن، عدد من الوديان والسيول الممتدة على جانبيه الغربي والشرقي. إذ يبلغ عددها من الجانب الغربي 23 واديًا وسيلاً، فيما يبلغ عددها من الشرق 5 فقط.[33] وتبلغ مساحة المجاري المتعلقة بالبحر الميت 40,6 كم2. وتأتي معظم تدفقات المياه إلى البحر الميت من مناطق ذات الكثافة المطرية النسبية لمجرى نهر الأردن إلى الشمال والمنحدرات العمودية للوادي المتصدع لشرق وغرب البحر الميت. وإلى الجنوب، يغطي خط تقسيم مياه وادي عربة المناطق القاحلة للنقب وصحراء الأردن الجنوبية.[14][34]
مشروع القناة
- مقالة مفصلة: قناة البحر الميت
يمر مُستوى المياه في هذا البحر التاريخي يتراجع حاليًا بمُعدلات لا تُصدق تاركًا خلفة آلاف الحفر، حيث يوجد حاليًا ما يُقارب 3000 حُفرة على الجانب الغربي ومئات الحُفر على الجانب الشرقي، وذلك بارتفاع شديد في وتيرة تشكل هذه الحُفر بشكل فُجائي، في وقت كان البحر يحتوي فيه على 40 حفرة فقط في العام 1990. الخُبراء في هذه المجال يُشيرون إلى أن مثل هذه الحفر تظهر حاليًا بمُعدّل حُفرة واحدة يوميًا، وأن المخيف فيها هو عدم وجود طريقة بمعرفة مكان أو توقيت ظُهورها. ظهور هذه الحفر متعلق بصورة مباشرة بتعرض البحر الميت للجفاف بمُعدل متر واحد سنويًا، بحيث تنهار الأرض فجأةً و تتشكل حفر كبيرة أحيانًا مما يُشكل خطرًا على المناطق المُحيطة بالبحر من مزارع و طرقات وحتى أبنية كالفنادق أو المنازل. وتتشكل الحُفر هذه نتيجةً لتفاعُل المياه العذبة القادمة من مياه الأمطار أو بعض الينابيع تحت الأرض بالأملاح الموجودة في الأرض بعد تعرُض مساحات جديدةللتجفيف.[35][36]
ولإنقاذ البحر الميت من الجفاف، قام الأردن بالتعاون مع كل من السلطة الفلسطينية وإسرائيل بالتخطيط لمشروع اُطلق عليه "قناة البحرين"، وهو مشروع مقترح لشق قناة تربط بين البحر الميت وأحد البحار الـمفتوحة (البحر الأحمر أو البحر الأبيض المتوسط)، مستفيدا من 400 متر الفرق في منسوب المياه بيـن البحار. قد تعوض المياه المتدفقة عبر القناة انخفاض مستوى البحر الميت بسبب تحويل المياه إلى إسرائيل بواسطة سد دغانيا المقام على نقطة الاتصال بين بحيرة طبريا ونهر الأردن. وسحب المياه الحلوة المتدفقة طبيعيًا إلى البحر الميت إلى أجهزة الري الإسرائيليةوالفلسطينية والأردنية.[37] بالمقابل، عارض المشروع الكثير من المنظمات البيئية في المنطقة، حيث أشارت عدد من الدراسات أن تدفق حوالي 2 مليار متر مكعب سنويًا من مياه البحر الأحمر إلى البحر الميت سيحدث تأثيرات بالغة الخطورة على كنوز وثروات البحر الأحمر، حيث مناطق الشعب المرجانية وحدائقها التي لا تقدر بثمن، كما سيغير من تركيبة البحر الميت. من جهة أخرى، يرى نشطاء سياسيون أن للمشروع أبعادًا سياسية واستراتيجة تضر الأردن والسلطة الفلسطينية، وهي بناء المستوطنات الإسرائيلية، وجلب المزيد من المهاجرين وخلق واقع ديموغرافي جديد في المنطقة وخلق رافد بشري مستمر لقواها العسكرية.[38][39][40][41]
وقد تم التوقيع رسميًا على اتفاقية بين الأطراف الثلاثة في كانون الأول/ ديسمبر 2013 لمد خط أنابيب ينقل المياه من البحر الأحمر إلى البحر الميت، حيث استمر تداول خطة ربط البحرين الأحمر والميت على مدار عقود وخضعت للعديد من التغيرات، كما أنها كانت مُتضمنة أيضًا في اتفاقية السلام بين إسرائيل والأردن عام 1994. ويشمل المشروع مرحلة أوليّة سيتم خلالها بناء خط أنابيب لنقل المياه طوله 180 كم من محطة تحلية المياه في ميناء العقبة الأردني الموجود على الساحل الشمالي الشرقي للبحر الأحمر إلى البحر الميت.[42][43]
ويهدف المشروع إلى منع تدهور وانكماش البحر الميت وتوصيل المياه النقية إلى الأردنيين والفلسطينيين والإسرائيليين. ويعاني الأردن خصيصًا مؤخرًا من تداعيات نقص المياه بسبب زيادة عدد السكان في ظل استمرار تدفق اللاجئين من سوريا. وقد أعلن البنك الدولي أن البرنامج التجريبي قابل للتطبيق بتكلفة 10 مليار دولار أمريكي، لكنه حذر وكذلك المنظمات البيئية من العديد من المخاوف البيئية المتعلقة بالمشروع.[42]
التاريخ
نالت منطقة سدوم وعمورة أهمية لاهوتية في كتابات الكثير من الباحثين ما بين الوصف كما في كتابات الرحالة العرب وغيرهم، وإتباع منهجية علمية في الدراسة عند بعض الباحثين ساهمت في تسليط بعض الضوء على حادثة الخسف الشهيرة التي عمت منطقة الحوض الجنوبي للبحر الميت. كما أكد الكثير من العلماء أن مكان الخسف قد تم في مكان الحوض الجنوبي للبحر الميت الحالي، وبأن المدن التي ذكرت في القرآن، والتوراة كانت موجودة في مكان الحوض الجنوبي، وأن الخسف الذي حدث في الألف الثاني قبل الميلاد قد دمّر المدن ومن سكنها. وقد استبعد بعضهم أن البحر الميت قد تكون في تلك الفترة فقد كان موجودا قبل حادثة الخسف. وقد أكدت بعض الدارسات أن البحر الميت قد تشكل بعد تكون عدة بحيرات سبقت مرحلة البحر الميت الحالي، وأن بعض هذه البحيرات كانت ذات مياه عذبة.[44]
ولقد اتفق العلماء على أن منخفض البحر الميت قد شغله عدة بحيرات سبقت تشكل البحر الميت الحالي وهي بحيرة أصدام، بحيرة السمرة، بحيرة اللسان، وبحيرة دامية، والبحر الميت الحالي.
فعندما بدأ تشكل منخفض الأغوار، كانت الجبال الشرقية متصلة مع الجبال الغربية. وعندها بدأ منخفض الأغوار بالتشكل بالحركة الأفقية أو العمودية كما أشار العديد من العلماء. ومهما يكن الأمر فقد انفرج منخفض الأغوار على شكل أحواض واسعة لكنها لم تكن عميقة، ويبدو أنه كان متصلا مع البحر المتوسط. ومع توالي عملية الانخفاض انقطع الاتصال ما بين البحر المتوسط ومنخفض البحر الميت. وينقطع بذلك اتصال البحر المتوسط مع الأغوار والذي زودها بالمياه فترات زمنية طويلة نسبيا. وأصبح مصدر المياه التي تغذي منطقة الأغوار يعتمد بشكل مباشر على مياه الأمطار.[45]
وقد تعرضت تلك البحيرات خلال تاريخها الطويل إلى اختلاف من حيث الانخفاض عن مستوى سطح البحر والامتداد الأفقي وملوحة المياه. وكان تعتمد بشكل مباشر على رطوبة الجو و معدلات الأمطار، حيث كانت تسود المنطقة فترات من الجفاف تليها فترات انتقالية ثم فترات رطبة مما يؤدي إلى جفاف تلك الأجسام المائية أو الامتلاء في الفترات الرطبة. وتشير المصادر الجيولوجية إلى أن بحيرة السمرة نتجت عن فترة رطوبة رافقها ازدياد كبير في معدلات الأمطار وأنها ترافقت مع إحدى العصور الجليدية إلي سادت الأرض وكانت ذات مياه عذبة. أما بحيرة اللسان فقد كانت مياهها عذبة أحيانًا ومالحة في أحيان أخرى حسب رطوبة الجو. وهي أكبر المسطحات المائية التي شغلت منخفض الأغوار حيث وصل طولها إلى 220 كم.[45]
ومع نهاية بحيرة اللسان حدثت فترة جفاف قبل 14 ألف سنة، والتي أدت إلى جفاف معظم المسطحات المائية في منطقة الأغوار وهي متطابقة مع أخر عصر جليدي في فترة بحيرة دامية. ومع نهاية بحيرة دامية تشكل البحر الميت الحالي قبل 11 ألف سنة، وقد كان مستوى سطحه يتعرض إلى تذبذب سببه الظروف الطبيعية الناتجة عن التقلبات المناخية إلى أن تحول التقلب في مستوى سطح البحر الميت إلى عوامل بشرية ناتجة عن تحويل مصادر تغذية البحر الميت بالمياه وأهمها نهر الأردن، وإقامة السدود المائية على الأودية التي ترفد البحر الميت بالمياه حتى انخفضت كمية المياه الواردة إلى البحر الميت من 1200 مليون متر مكعب قبل عام 1960 إلى أقل من 300 مليون متر مكعب في الوقت الراهن.[45][46][47][48][49][50][51]
وقد وُصف البحر الميت في الكثير من الخرائط والمواقع الدينية اليهودية والمسيحية، حيث تُعد خارطة مادبا الفسيفسائية أهم تلك الخرائط. وهي جزء من أرضية لكنيسة قديمة في مدينةمادبا في الأردن، تعود إلى العصر البيزنطي. وهي أقدم خريطة أصلية للأراضي المقدسة، والتي يعود إنشاؤها إلى سنة 560. توجد اليوم داخل كنيسة القديس جوارجيوس في مدينة مادبا، والتي بُنيت في عام 1896 فوق بقايا الكنيسة البيزنطية.[52] تمتد خريطة مادبا على جزء من أرضية الكنيسة، وتُقدر أبعادها بنحو 15.75 عرضا 5.60 طولا، وتشكل مدينةالقدس مركزا لها. وتظهر فيها مواقع في فلسطين والأردن وسوريا ولبنان ومصر.[53][54]
وتوجد على شواطئ البحر الميت منطقة تاريخية مهمة، هي خربة قمران، وهي موقع أثري صغير الحجم، يقع على مقربة بضع كيلو مترات جنوبي أريحا في فلسطين. اكتسب شهرته العالمية بسب عثور مخطوطات البحر الميت فيه، وقبل العثور على المخطوطات لم يكن معروفاً الا عند القليل من علماء الآثار. وكانت أول زيارة للموقع من قبل علماء الاثار في أواخر القرن العشرين. وقد بدأت الحفريات هناك في عام 1950، وكانت عبارة عن تنقيبات تجريبية.[55] وتضم هذه المخطوطات مايزيد على 970 قطعة مخطوطة، بعضها مما سمي لاحقاالكتاب المقدس وبعضها من كُتب لم تكن تعرف أو كانت مفقودة. أول من عثر عليها راعيان من بدو التعامرة المتجولين، كما تم اكتشاف المزيد بين عامي 1947 و 1956 في 11 كهفًا في وادي قمران. وقد أثارت المخطوطات اهتمام الباحثين والمختصين بدراسة نص العهد القديم لأنها تعود لما بين القرن الثاني قبل الميلاد والقرن الأول منه.[56][57][58]
تعليقات
إرسال تعليق